يتم التشغيل بواسطة Blogger.

بحث هذه المدونة الإلكترونية

أرشيف المدونة الإلكترونية

الانفصال الهادئ

الانفصال الهاديء تصادقنا ثم تحاببنا فتزوجنا‏,‏ وأنضجت عشرة الأربعة عشر عاما حبنا فصار عميقا بليغا‏..‏ لكنه منذ لحظة ميلاد ابننا الأول ت...

إذا كانت هذه هي زيارتك الأولى لقالب كن مدون المقدم من المبدع ويب يرجى الإشتراك ليصلك جديدنا

الانفصال الهادئ

الانفصال الهاديء



تصادقنا ثم تحاببنا فتزوجنا‏,‏ وأنضجت عشرة الأربعة عشر عاما حبنا فصار عميقا بليغا‏..‏ لكنه منذ لحظة ميلاد ابننا الأول تفجرت خلافاتنا واستمرت ثم تعاظمت مع ميلاد صغيرتنا
هي عجيبة الطباع‏,‏ فما طلبت منها شيئا إلا ووافقتني عليه ثم فعلت عكسه تماما‏,‏ تفطم ابننا فجأة ودون أي مبرر في شهره السادس‏,‏ فيصبح نزيلا شبه دائم في المستشفي للتغذي بالمحاليل وعلاجات سوء التغذية‏,‏ تتسبب له مرتين في كسر بعظم الفخذ وهو بعد في عامه الأول‏,‏ تنام ملء جفنيها وأحد أطفالنا يعاني الحمي‏,‏ لا تبالي بتصحيح أخطاء نطق أي من الطفلين فكبرا يعانيان عيوب النطق‏,‏ لازمت النزلة الشعبية أحدهما لمدة سبع سنوات بسبب إهمالها المستمر لتجفيف جسمه وتعريضه مباشرة لهواء أجهزة التكييف‏,‏ والغريب أنها لم تكن لديها أي اهتمامات أخري فهي لا تعمل وليس لها هوايات ولا تقرأ من الجريدة سوي صفحة الوفيات والحظ وعناوين الحوادث‏,‏ ولا تهتم كثيرا بملبسها أو الموضة مثلا‏,‏ تقول شيئا وتفعل غيره‏,‏ نتفق علي أمر وتأتي بنقيضه‏..‏ وغير ذلك ما لا حصر له من الأفعال غير المعقولة‏,‏ غير المفهومة‏..‏ وفي كل مرة كنت أسأل زوجتي عن شيء من تصرفاتها كنت لا أحصل منها إلا علي إجابة واحدة تزيدني حيرة فوق حيرة ـ وهي لا أعرف لماذا فعلت ذلك مع وعد جديد بعدم التكرار‏...‏ ثم يكون التكراروالتكرار والتكرار‏.‏
كنت في باديء الأمر أتحاور معها في هدوء‏,‏ ثم صرت أرفع صوتي‏,‏ ثم تماديت فكنت أخاصمها ليوم أو يومين ولا فائدة ثم تحرك لساني بالسباب ويدي بالضرب بعد أن بلغت قمم الغليان والغيظ ووصلت ـ أو كدت أصل الي الانهيار‏,‏ أصبت بمرض السكر وارتفاع ضغط الدم وأصبحت شديد العصبية والتوتر وسريع الانفعال‏..‏ قاطعتها مقاطعة تامة‏,‏ وانتهيت الي هجر الفراش لمدد وصلت الي سنة كاملة وهي كجلمود صخر‏..‏ لا تتغير‏!‏
أنا مهندس معماري أعمل بالتصميم‏,‏ عملي يتطلب التركيز الكامل‏,‏ فمفتاح النجاح والاستمرار فيه هو دوام الخلق وإفراز الابتكار الجميل‏..‏ وكما هو الحال مع أي فنان‏,‏ تنعكس حالته النفسية ومناخه الأسري علي أعماله‏,‏ فتدهور عملي من سييء لأسوأ حتي توقف تماما‏.‏
لم يكن هناك حل إلا الانفصال‏,‏ وتم ذلك مع قدر لا بأس به من السلام والتحضر والآن‏,‏ تأتي زوجتي لزيارتنا مرة كل شهر فتثني ـ لا تتعجب لذلك علي حال الأولاد بعد انفصالها عنهم وتؤكد لي استمرار حبها لي‏,‏ وأؤكد أنا استمرار حبي لها وإنها ـ ربما للمرة الوحيدة طوال حياتنا الزوجية ـ قد أفلحت في تنفيذ مااتفقنا عليه‏!‏
أعيش الآن مع الطفلين‏,‏ أقوم بأعمال ربة البيت بكفاءة بعد أن تعلمتها علي مدي العام ونصف العام الماضيين‏,‏ استنفدت معظم مدخراتي منذ تعثر عملي قبل أربع سنوات وأحاول الآن البدء فيه من جديد‏.‏
أختتم رسالتي برجائك ألا تسألني لماذا أحبها‏..‏ فأنا لا أعرف‏!‏

‏««‏ولكاتب هذه الرسالة أقول‏»»‏
لن أسألك لماذا تحبها لأن الحب لا منطق له في أغلب الأحيان‏..‏ لكني سوف أسألك ولماذا يستمر هذا الانفصال بينكما وكل منكما يحب الآخر‏..‏ وتقوم بينكما هذه العلاقة الودية الهادئة ؟
لقد عرفت عيوبها ونقاط ضعفها وصبرت عليها السنين الطوال‏,‏ ثم ضقت ذات مرة بما تنكره عليها فاتفقتما علي الانفصال في هدوء‏,‏ وها قد مضي عام ونصف العام علي هذا الانفصال الهاديء ومازالت زوجتك السابقة تحبك وتفتقدك ومازلت أنت كذلك تحبها وتفتقدها‏,‏ فلماذا لا تستأنفان إذن حياتكما الزوجية مرة أخري علي أن تتعامل مع عيوبها وهناتها بتسامح أكبر وتحاول أنت درء أخطاء هذه العيوب علي الأطفال بقدر الطاقة؟‏!‏ إن وجودها بين أطفالها أفضل لهم تربويا ونفسيا وإنسانيا بالرغم من كل أوجه قصورها‏,‏ من بعدها عنهم وأنت تستطيع كما تعلمت خلال فترة الانفصال القيام بأعمال البيت ورعاية الأطفال‏,‏ ان تكون صمام الأمان الذي يحول دون أي مضاعفات تنتج عن ضعف شخصيتها وسوء تدبيرها وضعف التزامها بما تعد به أو تتفق عليه معك‏..‏ فأعدها إلي عصمتك وأعف نفسك من عناء الوحدة ورعاية الأطفال‏,‏ لكي تتفرغ لعملك من جديد‏,‏ فأما عيوبها فإنك تستطيع السيطرة عليها‏..‏ أو علي الأقل تحملها والتجاوز عنها‏..‏ لكي تظل السفينة طافية فوق السطح‏..‏ ولا يحرم الأطفال من أمهم التي تمثل بالنسبة لهم نبع الحب والحنان مهما يكن سوء تدبيرها‏.‏
ياصديقي إنها قدرك الذي لا نجاة لك منه‏,‏ فتحمل أقدارك بشجاعة وأعد زوجتك الي عصمتك عسي أن تكون قد تعلمت من تجربة الانفصال بعض مالم تكن تعلم وشكرا‏.‏




إقرأ المزيد ليست هناك تعليقات:

زوجى يتخيل انى اسرقه


زوجي يتخيل أني أسرقه..!
س: أنا زوجة رجل ميسور الحال يشغل مركزاً مرموقاً مضى على زواجنا 25 عاماً وأنا أكتب لك هذه الرسالة في الأسبوع الأخير من الشهر وزوجي الميسور لم يدفع بعد مصروف الشهر الذي قارب الانتهاء ولا يريد أن يدفع، وفي كل مرة تبدأ المشاجرة بمطالبتي له بمصروف البيت فيؤديني نفسياً وجسمياً ويبدأ الشتائم ويستاء الأولاد من ذلك ويسألونني في كل مرة: أليس هناك حل لهذه المشكلة؟ فلا أعرف بماذا أجيبهم فأنا لا أعرف حلاً لها وهو يضطره عمله للعمل دائماً خارج مدينتنا وحين يكون في مقر عمله يتعمد عدم الاتصال بنا تليفونياً طول غيابه حتى لا أطالبه بإرسال المصروف، وحين يعود يتعمد الخروج من البيت معظم الوقت حتى لا أطالبه به ويتخيل أحياناً أني أسرقه وأنه أعطاني المصروف مرتين مع أنه لا يدخل البيت ومعه نقود أبداً ودائماً يسوف ويراوغ ويعدني بأن يرسل لي المبلغ مع سكرتيره ثم يفتعل أي سبب للشجار لكيلا يدفع مليماً واحداً في البيت. تسألني طبعاً كيف إذن نعيش وأجيبك بأني موظفة محترمة أيضاً لكني غير محترمة في هذا البيت لدرجة أني فكرت في هجرة والإقامة بإحدى دور المسنين ما دمت أصرف على نفسي داخل البيت وخارجه، ولم يمنعني من تنفيذ الفكرة سوى خوفي على أولادي وهم في سن الزواج. أما زوجي فهو يستمرئ هذا الوضع ولم يشعر في يوم من الأيام بأي مسؤولية عنا والعجيب أنه محبوب في عمله وشعلة نشاط وفيه كل الصفات الممتازة ولكن في محيط عمله فقط أما في البيت فهو شيء آخر تماماًلا أطلب منه سوى أن يعطيني مصروف البيت فقط أول الشهر بدون شجار فأرجو أن توجه له كلمة بأن يرعى الله فيناوشكراً لك.
ج: المستشار : عبدالوهاب مطاوع
نعم يا سيدتي، سوف يحاسبه الله عن مسؤوليته عنكم لأنه راع وكل راع مسؤول عن رعيته، وأنتم رعيته وأمانته التي أؤتمن عليها وطائره والذي في عنقه وسيلقى الله به، حتى لقد قيل صِدقاً وعدلاً أن مقاساة الأهل والولد أي الكفاح لإعالتهم وإسعادهم بمنزلة الجهاد في سبيل الله، وحتى كان من حكمة الدين الحنيف بل ومن لطائفه ان ما ينفقه الرجل على زوجته وأولاده وأهله يؤجر عليه كأنما قد تصدق بما أنفق مع أنه مسؤول شرعاً وقانوناً عن إعالتهم، وإنفاقه عليهم واجب من واجباته وإنما أريد بذلك أن يحبب الأزواج في الإنفاق على أهلهم وأن يتوسعوا فيه وألا يقبضوا أيديهم عنه أو يؤثروا أنفسهم بمعظم ما يكسبون، أرأيت يا سيدي هذه الحكمة الإلهية الكريمة؟ وهل قرأت قول الرسول الكريم: ((ما أنفقه الرجل على أهله فهو صدقة، وإن الرجل ليؤجَر على اللقمة يرفعها إلى في امرأته)) أي إلى فمها!
نعم، هو واجب على الزواج أن يعول زوجته وأولاده ... لكنه زيادة في الفضل ويؤجر عنه إذا أدّاه .. ويضاعف له الأجر إذا أحسن أداءه، وإذا كان للزوج والأب الأجر في الإنفاق على أبنائه وزوجته، فإن عليه بالضرورة الإثم ان امتنع عنه أو أمسك أو قتر فيه وهو قادر على الإنفاق والتوسعة. وفي ذلك يقول الحديث الشريف أيضاً: ((كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت)) أي مَن يعول والمعروف ان الزوج مكلف بالإنفاق على زوجته وأولاده ولو كانت ذات دخل أو ثروة وان دخلها وثروتها لا يسقطان عنه هذا التكليف ما دام قادراً، ذلك أن من حقها أن تشارك في الإنفاق على الأسرة باختيارها ورغبة منها في معاونة زوجها على أمره لكنها ليست ملزمة بالإنفاق من دخلها على بيتها وأولادها ولا يملك أحد إجبارها على ذلك إذا أبتْ والمبدأ الشرعي في ذلك هو ببساطة: إما إنفاق .. وإما طلاق!
ولا شك أنكما تستطيعان معاً تسوية هذا الأمر بما يجنبكما الاشتباك في موقعة كل شهر، بالاحتكام إلى حكَم عدل بينكما يقدر مبلغاً ملائماً يدفعه هو كاتبها وليست زوجته أقول: إذا اختلطت علينا الأمور ففي الاحتكام لأحكام الدين الصحيحة النجاة من كل حيرة والضمان لتحقيق العدل الانساني لكل الأطراف. وبهذا المعيار الرشيد أقول لزوجتك أنه لا سند من دين أو حكمة لإصرارك على ارتداء السواد بعد عامين من رحيل أبيك ولا لهجرك زوجك في الفراش ((تذرعاً)) بهذا الحداد. فالرسول الكريم (ص) يقول: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ على ميت فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشراً)).
والإحداد هنا هو ترك الزينة لزوجها، ويرتبط به نفسياً بغير شك، العزوف عن العلاقة الخاصة تأثراً بحالة الحزن. ومن واجب كل طرف في العلاقة الزوجية أن يحترم أحزان الآخر وأن يحاول التخفيف عنه ومواساته وأن يصبر عليه إلى أن يسترد إقباله على الحياة تدريجياً بعد فترة الحزن أما أن تعتصم الزوجة بالسواد لمدة عامين وتتخذ من حدادها ذريعة للنفور من زوجها وهجره في الفراش فليس من الدين في شيء ولا من حسن المعاشرة، وإنما هو غالباً انعكاس لحالة أخرى وجدت في الحداد فرصتها للتعبير عن نفسها، وسواء أكانت هذه أو تلك فالمؤكد أن زوجتك تعاني من حالة اكتئابية ينبغي أن تساعدها على اجتيازها وأن تعين هي أيضاً نفسها على التخلص منها. وأول خطوة في هذا الطريق هو أن تخلع هذا السواد الذي يحملها إثماً لا مبرر له تجاه زوجها وأبنائها. وارتداء السواد لفترة طويلة يضفي ظلاله الكئيبة فعلاً على حياة الأسرة، ولا معنى له بعد فترته الطبيعية لا تعذيب النفس وتعذيب الآخرين به. كما ان اختلاف بينكما حوله وحول ما يرتبط به من نفور سوف يفتح الباب لأنواء ومشاكل لا تليق بجلال السنين بعد هذه الرحلة الطويلة .. فلماذا التمسك به إذن؟.

إقرأ المزيد ليست هناك تعليقات:

رحيق السعادة

رحيق السعادة‏

أنا رجل في الثانية والأربعين من عمري حاصل على مؤهل عال تزوجت منذ عشر سنوات من فتاة من أسرة طيبة‏..‏ وكنت حينذاك اعمل محاسبا بمستوصف خاص بإحدى دول الخليج‏,‏ وارتبطت بهذه الفتاة وعقدت قراني عليها في مدينتي الصغيرة بالوجه البحري‏,‏ وسافرت هي إلي حيث أقيم لإتمام الزفاف توفيرا للنفقات‏.‏ وبعد خمسة شهور من زواجنا من الله سبحانه وتعالي علينا بحمل زوجتي في توءم‏,‏ ومضت شهور الحمل الأولي عادية إلي جاء الشهر السادس‏,‏ وتطورت الظروف واحتاجت زوجتي فجأة إلي إجراء جراحة كبري لها‏..‏ وكان مطلوبا أن يتوافر عدد كبير من المتبرعين لها بالدم لإنقاذ حياتها خلال الجراحة‏,‏ والحمد لله فلقد تجمعنا أنا وعدد كبير من زملائي بالعمل في المستشفي وتقدمنا جميعا للتبرع بالدم المطلوب‏,‏ وأبلغني الأطباء أنهم يسعون إنقاذ حياة الزوجة علي حساب حياة التوءم وكان قراري وبإجماع زملائي كلهم هو أن إنقاذ حياة الزوجة هو الأهم‏..‏ أما التوءم فهما في ذمة الخالق العظيم وهو الذي خلقهما بقدرته العليا‏..‏ وهو الذي يستطيع أن يعوضنا عنهما بإرادته حين يشاء واستراح ضميري وضمير زملائي جميعا لهذا القرار‏,‏ واستغرقت العملية الجراحية عشر ساعات‏,‏ كنت خلالها عاكفا في مسجد المستوصف أسجد لله خوفا وأملا أتضرع إليه أتلو آيات الذكر الحكيم‏,‏ وخاصة سورة ياسين‏,‏ إلي أن خرج الأطباء وقالوا لنا أنهم قد فعلوا كل ما يستطيعون‏..‏ ولم يبق إلا الأمل في رحمة الله‏.‏ فنقلت زوجتي من غرفة الجراحة إلي العناية المركزة‏,‏ وأخذنا التوءم اللذين لم يكتب لهما أن يريا الحياة واستودعناهما عند من لا تضيع عنده الودائع سبحانه‏.‏ وظلت زوجتي في العناية المركزة شهرا كاملا‏..‏ وكانت قد سألتني عن توءمها حين أفاقت ولم أجد ما يدعو إلي إخفاء الحقيقة أو التهرب منها فصارحتها بأنهما أمانة عند الخالق العظيم وسيكونان شفيعين لها بإذن الله يوم القيامة‏,‏ فتجلدت زوجتي واسترجعت‏..‏ وقالت هو من أعطي وهو من أخذ فاللهم آجرني واجر زوجي عنهما يوم الحساب‏.‏ وخرجت زوجتي من المستشفي وسط دهشة كثيرين لم يصدقوا احتمال شفائها أو نجاتها من الموت بعد أن أكد الأطباء من قبل أن نسبة نجاح تلك الجراحة الكبرى ضئيلة للغاية‏.‏ وعدنا لحياتنا الطبيعية وبعد فترة ليست طويلة‏,‏ بدأت زوجتي تشعر ببعض الألم والمغص في البطن‏..‏ وبدأنا نتردد علي المستشفي فيعطيها الأطباء بعض المسكنات ويذهب الألم‏..‏ ثم لا يلبث أن يعود من جديد‏..‏ إلي أن قرروا إجراء جراحة استكشاف للبطن للكشف عن أسباب هذا الألم‏,‏ وامتثلنا لقرار الأطباء وأجريت الجراحة ووجدوا أن الأمعاء بها التهاب لا يحدث إلا بنسبة الواحد في المليون في مثل هذه الظروف‏,‏ واتخذ الأطباء قرارهم بإجراء جراحة ثالثة لها لفصل الأمعاء إلي جزأين.‏ وبعد الجراحة توجهنا لأداء العمرة‏..‏ والابتهال إلي الله أن ينعم عليها بنعمة الشفاء‏,‏ ورجعنا إلي مصر لقضاء فترة الإجازة السنوية فرجعت نفس الآلام والمشاكل مرة أخري‏..‏ واحتاجت زوجتي إلي إجراء جراحة رابعة كبري في أحد المعاهد المتخصصة في مصر‏..‏ وتقبلنا أنا وزوجتي كل ذلك بصبر وامتثال وبحمد الله علي نعمه والثناء عليه‏.‏ ثم عدنا إلي مقر عملي بالبلد الخليجي‏,‏ واستقرت الحالة الصحية لزوجتي وانتهت الآلام إلي غير رجعة والحمد لله‏..‏ ومارسنا حياتنا الطبيعية إلي أن انتهت فترة عملي بالغربة‏,‏ ورجعنا للاستقرار في بلدنا‏,‏ وكنت خلال ذلك قد استخدمت كل أو معظم مدخراتي في الغربة في بناء شقة بمنزل أبى وتجهيزها ورجعت إلي عملي كموظف بالحكومة‏..‏ وبعد عودتنا بفترة بدأت المشاكل من جانب آخر هو جانب والدتي يرحمها الله واخوتي‏,‏ وكان مثار كل تلك المشاكل هو الحديث عن الجراحات الأربع التي تعرضت لها زوجتي ومدي تأثيرها علي فرصتها في الإنجاب,‏ ورغبة أبي وأمي في أن يريا لهما حفيدا مني‏,‏ وكنت في كل تلك المشاكل أقول دائما لأبي وأمي واخوتي أن الإنجاب كالرزق والعمر وعلم الساعة كلها من أمر ربي وحده‏,‏ ولكن دون جدوى فلا يمر يوم دون أن أرجع من عملي وأجد زوجتي تبكي بكاء مريرا بسبب كلمة أو إشارة وجهت إليها في هذا الشأن‏,‏ أو خبر نما إليها عن ضغط أهلي علي لكي أطلقها لأتزوج من أجل الإنجاب.‏ وتحت ضغط هذه الظروف كلها اضطررت لمصارحة أبى وامي بالسر الذي كنت اكتمه عنهما وهو انني انا أيضا اعاني من سبب عضوي يضعف من فرصتي في الانجاب‏..‏ وان حمل زوجتي الأول قد تم خلال فترة كنت اتلقي فيها علاجا مكثفا لحالتي‏,‏ اما الآن فانني احتاج إلي عملية زرع انسجة‏,‏ وهي مكلفة جدا ولا طاقة لي بها‏,‏ وبالتالي فإن ظروفي وظروف زوجتي متشابهة وهذه هي حياتنا ونحن راضيان بها‏,‏ لكن ابي وامي لم يقتنعا بذلك وفسراه علي طريقتهما‏,‏ بإنني انسب إلي نفسي العجز عن الانجاب لكي يتوقفا عن الضغط علي للزواج مرة أخري‏,‏ واستمرت الضغوط القاسية بلا هوادة‏..‏ وبعد فترة فوجئت بابي وأمي يضعانني امام خيار صعب هو إما أن اطلق زوجتي هذه واتزوج من أخري علي أمل الانجاب منها‏..‏ وأما أن اغادر الشقة التي بنيتها بشقاء العمر في الغربة‏,‏ وابحث لنفسي عن مسكن مستقل خارج نطاق الأسرة‏.‏ وبالرغم من قسوة الاختيار فإني لم اتردد لحظة في اتخاذ قراري وهو التمسك بزوجتي والبحث لنفسي عن سكن آخر‏,‏ بعد أن أعيتني كل الحيل مع أهلي‏,‏ وبعد أن استشرت أهل الذكر ورجال الدين فاجمعوا كلهم علي ان ما يطلبه مني ابي وامي هو تدخل في أمور خاصة بقدرة الله وحده‏,‏ وليس لي ولا لزوجتي يد فيها‏.‏ وقبلت بالقرار الصعب وغادرت شقتي في منزل الأسرة‏,‏ لكيلا اغضب أبوي وأهلي واقترضت من البنك علي مرتبي لكي ادفع مقدم ايجار لشقة صغيرة استأجرتها بمائة وخمسين جنيها كل شهر‏..‏ وكل مرتبي لا يزيد علي مائتين وسبعين جنيها‏,‏ وزوجتي وهي حاصلة علي بكالريوس التجارة لا تعمل‏.‏ وانتقلنا للشقة الجديدة‏..‏ ووجدتني ادفع اكثر من نصف مرتبي كل شهر كايجار لها ولي في نفس الوقت شقة خالية بنيتها بعرقي وكفاحي في منزل الأسرة‏,‏ ثم رحلت أمي عن الحياة فجأة يرحمها الله‏..‏ وبعد فترة الحداد حاولت مع أبي جاهدا أن أعود إلي مسكني‏..‏ وتدخل بعض الصالحين بيني وبينه في ذلك‏,‏ فإذا به يتمسك بالرفض النهائي ومازال علي موقفه هذا إلي الآن‏.‏ وبالرغم مما نعانيه من ضيق العيش وجفاف الحياة ونفقات الأطباء المختصين بأمر الانجاب بالنسبة لزوجتي ولي‏,‏ فلقد أزداد تمسك كل منا بالآخر واقتناعه به وحاجته إليه‏..‏ واستشعاره الراحة والسعادة بين يديه‏..‏ وفي نهاية كل يوم يجد كل منا قلبا مفتوحا للآخر يقدم له العطاء والتضحيات ويتحمل العناء من أجله والحمد لله علي ذلك حمدا كثيرا‏,‏ وأنني أكتب لك هذه الرسالة لكي أعلق بها علي رسالة الأرض الخصيبة للزوج الشاب الذي يئس من عدم إنجاب زوجته حتى زهدها‏,‏ وأقول له إنه علي قدر صبر الإنسان تكون جوائز السماء التي يبشر بها صاحب ‏««‏بريد الجمعة‏»»‏ الصابرين والمبتلين‏,‏ ولأرجوه أن يصبر وألا ييأس من روح الله‏,‏ كما أفعل أنا مع تمنياتي للجميع بالسعادة وتحقيق الأمنيات إن شاء الله‏.‏ ‏
ولكاتب هذه الرسالة أقول ‏
ظننت في البداية أنك قد كتبت رسالتك هذه لكي تطلب مني في ختامها أن أناشد أباك أن يخفف من غلوائه ويسمح لك بالعودة إلي مسكنك الذي بنيته بشقاء الغربة بدلا من معاناتك لشظف العيش في شقة مستأجرة لا يسمح لك دخلك بتحمل عبء إيجارها,‏ فإذا بكبرياء الحب الذي جمع بينك وبين زوجتك وصمد لكل الأحوال والتحديات‏,‏ يحول بينك وبين ذلك‏,‏ وإذا بك تختتم رسالتك بأنشودة بليغة وقليلة الكلمات عن السعادة وسكون القلب إلي جوار من يحب والرضا بكل ما تحمله له أعاصير الحياة والصبر عليها والاستعانة بالحب الصادق والعطاء المتبادل والتضحيات المشتركة علي اجتياز العقبات واحتمال جفاف الحياة‏..‏ وإذا بك تهدي تجربتك في الصبر علي ما جرت به المقادير والتطلع الدائم إلي الأمل في رحمة الله‏,‏ إلي كاتب رسالة الأرض الخصيبة راجيا له جوائز السماء للصابرين والمحتسبين‏,‏ وطالبا منه الا ييأس أبدا من روح الله وأن يصبر علي ظروفه كما تفعل أنت‏!‏ يا إلهي‏..‏ لقد القيت علينا درسا جديدا في معني السعا


إقرأ المزيد ليست هناك تعليقات:

نظرية الارض

نظرية الأرض‏!‏


أنا سيدة في الثلاثين من عمري زوجة منذ عشر سنوات وأم لطفلين رائعين‏,‏ ودراستي هي علم النفس‏,‏ وأكتب لك رسالتي هذه تعليقا علي رسالتي الخواطر والفوازير اللتين يشكو فيهما صاحباهما من زوجتيهما‏..‏ وفي البداية أقول انه كان من المألوف أن نسمع شكاوي النساء من الرجال اتساقا مع ماتؤكده لنا الدراسات من أن الرجل يحتل المرتبة الأولي في أولويات المرأة‏,‏ في حين تجيء المرأة في أولويات الرجل غالبا في المرتبة الثانية أو الثالثة‏,‏ ولست هنا في مجال تفسير ظهور هذه الشكاوي الرجالية من المرأة في الوقت الراهن أو ربطها في اعتقادي بزيادة وعي المرأة بحقوقها المعنوية والنفسية وتمسكها بها‏,‏ لكني أقول فقط ان كثيرين من الرجال يعلمون أن مفتاح المرأة هو قلبها لكنهم بالرغم من ذلك لايعرفون كيف يستخدمونه في فتح مغاليقها‏..‏ ولكي أساعد الرجال علي ذلك سأطرح بدوري مسابقة أخري نسائية علي غرار مسابقة الفوازير الرجالية التي طرحها كاتب رسالة الأسبوع الماضي وهو يشكو من زوجته‏..‏ وسأختصر أسئلة المسابقة إلي أقل حد ممكن فأختار منها الآتي‏:‏
‏*‏ تري كم رجلا متزوجا ذهب إلي عمله ذات يوم ثم رفع سماعة التليفون ليتصل بزوجته ليس لكي يطمئن علي سير الأمور في البيت والأولاد‏,‏ وانما لكي يقول لزوجته انه يفتقدها ويتشوق إليها؟
‏*‏ وكم رجلا قال لزوجته بعد بضع سنوات من الزواج انه معجب بها أو بمزايا معينة فيها؟
‏*‏ وكم رجلا انتهز الفرصة المناسبة لكي يشكر زوجته علي حسن رعايتها له وللأولاد ولما تقوم به من دور مهم وحيوي في حياته وحياة الأسرة؟
‏*‏ وكم رجلا لم يفته أن يتزين لزوجته كما تتزين هي له‏..‏ وحرص علي أن يكون في يوم اجازته الذي يقضيه معها في البيت حليق اللحية ممشط الشعر متعطرا‏..‏ ولم يؤجل كل ذلك إلي يوم الذهاب للعمل؟
‏*‏ وكم رجلا أطري محاسن زوجته وسجاياها أمام أهله وأهلها‏,‏ ولم يتحين الفرص علي العكس من ذلك لابراز عيوبها ونواقصها أمامهم؟
‏*‏ وكم رجلا اختار لزوجته اسم تدليل يناديها به ويشعرها بخصوصيتها لديه‏,‏ كما كان الرسول الكريم صلي الله عليه وسلم‏,‏ يفعل مع زوجته السيدة عائشة فيناديها باسم عائش؟
‏*‏ وكم رجلا طلب من زوجته أن تستريح ذات يوم من أداء واجباتها المنزلية وقام هو بها عنها لأنها في هذا اليوم مريضة أو معتلة المزاج؟
‏*‏ وكم رجلا رجع من عمله إلي بيته ففاجأ زوجته بتذكرتي سينما أو مسرح‏,‏ بأي شيء يعرف عنها أنها تحبه وتسعد به؟
‏*‏ وأخيرا كم رجلا اتبع السنة في العلاقة الخاصة بين الزوجين فبدأ بالمداعبة والملاعبة والكلام والقبل ولم يقع علي زوجته كما يقع البعير وهو ما نهي عنه الرسول صلوات الله وسلامه عليه؟
انني أرجو أن يلاحظ الرجال أن معظم ما أشرت إليه لايكلفهم وقتا ولا مالا ولا جهدا‏,‏ ومع ذلك فإن أداءه والحرص عليه يجعل من زوجاتهم إماء لهم‏.‏
وانني أتحدي أن يكون هناك رجل قد طبق كل هذه البنود ووجد من زوجته بعد ذلك مايدعوه إلي الشكوي منها علنا علي صفحات الجرائد كما فعل كاتبا الرسالتين‏,‏ اللهم إلااذا كانت امرأة غير سوية‏.‏
أقول قولي هذا وأدعو الله أن يتقي الرجال ربهم في زوجاتهم وأن يعاملوهن بما أمرهم الله أن يعاملوهن به‏,‏ وأن يتأسوا في ذلك برسوله الكريم لأن المرأة كالأرض تنبت مايزرعه الرجل فيها وليس العكس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

‏««‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏»»‏
ولكن الأرض قد تنبت أيضا ما لم يزرعه فيها أحد بيده كالشوك والحسك اللذين ينبتان فيها تلقائيا في بعض الأحيان‏,‏ ربما لأن بذورهما كانت كامنة تحت قشرة الأرض‏,‏ وربما لأن الرياح قد حملتها إليها من بعيد بغير تدخل من يد بشرية في ذلك‏!‏
كما أنه ليست كل أرض‏,‏ تنبت مايزرعه فيها صاحبها ويصح نبتها وينمو‏,‏ فقد يبذر الإنسان في الأرض اليباب بذورا صالحة فتموت في باطنها ولا تنبت ولا تثمر أو تنبت معوجة سقيمة‏,‏ لأن ملوحة الأرض قد أصابتها بالوهن ولست أقصد بذلك اعفاء الرجال من كل مسئولية‏..‏ أو اتهام النساء بكل المسئولية‏,‏ وانما أقصد فقط أن الأرض الطيبة هي التي تحتضن البذور الواعدة بالخير وتتفاعل معها وتغذيها فيصح الزرع ويورق النبات‏,‏ وان للأرض أيضا دورا إيجابيا في حماية هذه البذور من الهلاك وانمائها وتخصيبها‏,‏ وليس مجرد استقبالها وانباتها كما يوحي بذلك تشبيهك للمرأة بالأرض التي لاتنبت إلامايزرعه فيها صاحبها‏..‏
والحق أن تشبيه المرأة بالأرض في هذا المجال ليس تشبيها دقيقا‏,‏ بل انه في تقديري تشبيه مجحف للمرأة وليس منصفا لها كما تتصورين‏,‏ لأنه يحكم عليها بالسلبية المطلقة‏..‏ ويحصر دورها في دائرة ردود الفعل بالنسبة للرجل‏,‏ ويجردها من مؤهلاتها ككائن حي له ارادته الحرة وتفكيره المستقل وقدرته الذاتية علي الفعل‏..‏ والحق أن كل ما أشرت إليه من أمور ولفتات تغيب عن بعض الأزواج أو يتجاهلونها انما تسهم بالفعل في استدامة الود بين طرفي العلاقة الزوجية‏..‏ وتجميل الحياة من حولهما‏,‏ وتهوين المتاعب عليهما‏,‏ لكنه ليس من الموضوعية بالرغم من ذلك أن ننجرف إلي خطأ التعميم واصدار الأحكام المطلقة‏,‏ فنحكم بأن أسباب التعاسة الزوجية تنحصر في اهمال الرجال لمثل هذه اللفتات والأمور المهمة‏,‏ لأن من أسبابها كذلك ما لايتعلق بمثل هذه اللفتات والأمور‏,‏ كافتقاد روح العدل من جانب أحد الطرفين‏,‏ وافتقاد الدفء العاطفي في العلاقة الزوجية من جانب الطرفين معا أو أحدهما‏,‏ وافتقاد روح التسامح والجحود البشري‏,‏ وسوء الطبع‏..‏ والانفعالية المدمرة‏..‏ والتسلط‏...‏ الخ‏,‏ ناهيك عما يشكو منه الفريقان معا في بعض الأحيان من تحول العلاقة بينهما إلي مباراة يحاول كل طرف فيها تحميل الآخر كامل المسئولية عن كدر الحياة بينهما معفيا نفسه من كل لوم أو تبعة‏,‏ وكأنما قد كان طرفا مستقبلا فقط لكل الاساءات‏,‏ وليس كذلك طرفا مرسلا وفاعلا بنفس القدر ان لم يكن أكبر‏..‏
وفي ذلك قد يستوي الرجل والمرأة‏,‏ غير أن معظم خبراء الاستشارات الأسرية في الغرب يؤمنون بأن السلام الزوجي إنما يتوقف علي حكمة الزوجة أكثر مما يتوقف علي مهارة الرجل أو حسن عشرته وطباعه‏,‏ وتعليلهم لذلك هي أنه حتي لو كان الزوج مقصرا أو سيئا‏,‏ فإن كلمة الزوجة تستطيع إذا أرادت أن تستوعب كل أخطائه وتقصيره‏,‏ وتحفظ للحياة العائلية سلامها واستمرارها‏,‏ في حين أن الرجل لو كان ملاكا طاهرا‏,‏ وصادف زوجة انفعالية أو غير حكيمة أو غير منصفة أو غير متزنة عصبيا فلن يستطيع حتي ولو كانت تحبه أن تجنب أسباب الشقاء والمعاناة معها‏..‏
وكل ذلك يدحض نظرية الأرض التي لا تنبت إلا ما يزرعه الرجل فيها‏,‏ غير أني لا أريد من ناحية أخري أن أنجرف بدوري إلي التعميم وإصدار الأحكام المطلقة علي النوع‏..‏ إذ ليس من الإنصاف أن نحكم علي نصف البشرية بالتجني‏,‏ وعلي النصف الآخر بالبراءة المطلقة من كل شبهة‏..‏ وإنما الأقرب للإنصاف أن نقول إن من الرجال من يتحملون المسئولية الأولي عن فساد العلاقة بينهم وبين شريكات حياتهم‏..‏ ومن النساء من يتحملن هذه المسئولية كذلك عن تعاسة أزواجهن بهن‏,‏ ومن الفريقين من هو ظالم ومظلوم معا بالقدر نفسه أو أقل أو أكبر قليلا‏..‏ وفي كل الظروف والأحوال فإنه من الخيبة الحقيقية أن يكون بمقدور الإنسان أن يسعد نفسه ومن حوله‏,‏ ثم يتقاعس عن تحقيق ذلك لأي أسباب يراها‏..‏
ومن الغباء البشري أن يتحجر البعض علي مواقفهم وأخطائهم وألا يحاولوا إصلاح أنفسهم‏..‏ وتجميل حياتهم وتعطيرها بعبق المحبة والسلام‏.‏
وشكرا لك علي تنبيهك للرجال إلي مفتاح المرأة الذي يفتح لهم معاليتها وأرجو أن تنجح وصفتك في إرشاد الكثيرين إلي سبل الوصول لقلوب شركائهم والعيش معهم في سلام علي الأقل إن تعذر عليهم العيش معهم في حب ووئام‏!‏




إقرأ المزيد ليست هناك تعليقات:
الدور العلوي‏!‏


أنا سيدة في الثلاثينيات من العمر‏,‏ جامعية ومثقفة إلي حد ما‏,‏ أحب القراءة والكتابة‏..‏ وتصورت في فترة من الفترات أنني سوف أصبح كاتبة‏,‏ لكن الحياة غيرت اتجاهي بعد أن تزوجت وانشغلت بحياتي العائلية‏.‏
ولقد قرأت الرسالة التي نشرت في هذا الباب منذ بضعه أسابيع بعنوان الأب الرسمي للفتاة التي ضمها جدها وجدتها إليهما منذ طفولتها فنشأت مرتبطة بهما وبعيدة عن أبيها وأمها‏,‏ ورفضت العودة للحياة بينهما وشجعها الجدان علي ذلك‏,‏ إلي أن بلغت سن الزواج وتوقعت من أبيها الرسمي أن يسهم في نفقات زواجها بقدر معقول‏,‏ فإذا بالأب يرفض المساهمة في ذلك نهائيا لأنها ابتعدت عن أبويها وكان منطقه في ذلك أنه مادام جداها قد شجعاها علي عدم العودة إليهما فليتكفلا دونه بنفقات زواجها ولقد أثارت هذه الرسالة أشجاني وأريد أن أروي لها قصتي لعلها تجد فيها بعض ما يرشدها إلي سواء السبيل‏..‏ فلقد جئت إلي الحياة لأبوين رزقا قبلي بأربع فتيات‏,‏ وتركزت كل آمالهما في أن يجيء المولود الخامس ولدا‏,‏ فاذا بي أولد بنتا فاستقبلاني بالحزن والاكتئاب‏..‏ ولأننا كنا في ذلك الوقت نعيش في بيت من دورين باحدي مدن القناة‏,‏ ويقيم في الدور العلوي من البيت عمي وخالتي وهما زوجان رزقا ببنت غير مكتملة النمو العقلي‏,‏ فلقد عرضا علي أبي وأمي أن يضماني إليهما وأنا طفلة وليدة ويتكفلا بتربيتي وتنشئتي دونهما‏,‏ لكي يحلا لأبي وأمي مشكلة طفلتهما الخامسة من ناحية‏,‏ ولأنهما‏,‏ كما أدركت فيما بعد ـ أرادا أن يربياني ويتكفلا بي فأصبح أختا لابنتهما المسكينة وأرعاها حين أكبر وأتحمل مسئوليتها من بعدهما‏.‏
وهكذا وجدت نفسي بين أب وأم وأخت مسكينة ينمو جسمها ولا ينمو معه عقلها‏..‏ ويقيم تحتنا عمي وخالتي وبنات عمي وخالتي الأربع‏,‏ ومازلت أذكر من ذكريات طفولتي حين كانت تسألني بعض السيدات اللاتي يزرن الأسرة بالطابق العلوي‏..‏ كيف حال ماما؟‏..‏ فأتعجب لماذا تسألني عن أمي وهي تجلس إلي جوارها‏!‏ وبالرغم من ذلك فلقد كان هناك شيء غامض لا أدري كنهه يجذبني إلي الطابق الأرضي الذي يقيم به عمي وخالتي وبناتهما وأشعر بحنين عجيب إليهم جميعا‏,‏ ومضت بي الأعوام والتحقت بالمدرسة ولم ألتفت كثيرا لاختلاف اسم الأب في أوراقي الرسمية عن اسمه في الحياة‏,‏ فلقد قيل لي ان اسمه في الورق هو الاسم الرسمي‏,‏ وان اسمه في الحياة هو اسم الشهرة‏,‏ فأحببت اسم الشهرة أكثر مما أحببت الاسم الرسمي‏,‏ إلي أن بلغت سن الصبا وبدأت أشعر بتغير غير مفهوم في معاملة أمي لي‏..‏ وتفاقم هذا التغير حتي بدأت أشعر بعدم حبها لي‏,‏ ولأنني لم أكن أدرك دوافع هذا التغير من جانبها تجاهي فلقد كرهتها لمعاملتها السيئة لي‏,‏ وأحببت أبي كل الحب الذي يمكن أن يتسع له قلب فتاة مثلي‏,‏ لأنه لم يتغير تجاهي بعد أن كبرت وظل يغمرني بحبه وعطفه إلي النهاية‏,‏ وخلال ذلك كانت الدنيا قد فرقت بيننا وبين أسرة عمي وخالتي وبناتهما الأربع وانتقلنا نحن للاقامة في القاهرة‏,‏ وتخرجت في كليتي وارتبطت بمن زختارني واختارته‏,‏ وبدأنا الاستعداد للزواج فإذا بأبي يصر علي أن يستأذن عمي وخالتي في زواجي وأن يحصل أولا علي موافقتهما قبل أن يعلن قبوله‏,‏ وتساءلت عن ضرورة ذلك‏,‏ فعرفت الحقيقة التي خفيت عني كل هذه السنين وهي أن هذا العم وهذه الخالة هما أبواي الحقيقيان‏,‏ وان هؤلاء الفتيات الأربع هن أخواتي‏,‏ أما هذه الفتاة المسكينة التي أعيش معها فهي ابنة عمي وابنة خالتي‏,‏ وأدركت في هذه اللحظة فقط سر تغير مشاعر من كنت أظنها أمي تجاهي بعد أن كبرت وصرت فتاة في بداية سن الشباب‏..‏ فلقد كانت الحسرة تنهش قلبها الحزين وهي تري ابنتها الحقيقية تنمو جسما وعقلها لايتجاوز عقل طفلة عمرها خمس سنوات‏,‏ في حين استوت الفتاة الأخري التي تكفلت بها شابة تجذب الأبصار‏,‏ ويشيد بها الجيران‏,‏ وانفجر بركان الغضب في قلبي تجاه أبي وأمي الحقيقيين‏..‏ كيف تخليا عني وتركاني لغيرهما حتي ولو كان هذا الغير هما عمي وخالتي؟‏,‏ ولماذا كرهاني وأنا طفلة وليدة ولا ذنب لي في مجيئي للحياة بعد أربع فتيات؟‏..‏ وراح أبي وأمي الحقيقيان يحاولان بكل جهدهما أن يبررا لي ماحدث ويؤكدان لي أنهما مظلومان مع عمي وخالتي لأنهما كانا في حاجة لابنة طبيعية بعد أن رزئا بابنتهما المسكينة‏,‏ وانهما اغتصباني منهما بالالحاح وبالاحراج والضغط النفسي عليهما‏,‏ ولم أصدق هذا التبرير ولم أقتنع به واستمر الشرخ في داخلي لفترة طويلة حتي كرهت نفسي‏,‏ وظل هذا الشرخ يفسد علي حياتي لفترة طويلة إلي أن تزوجت وتكفل بنفقات زواجي بل وبشقتي كذلك من تكفل من قبل بتربيتي وتنشئتي وهو أبي بالتربية وعمي بالصلة الرسمية‏,‏ وانشغلت بحياتي العائلية وأسرتي الجديدة عن ذكريات الماضي وأحزانه‏..‏ ولهذا فإني أقول لهذه الفتاة التي ابتعدت عن أبويها ورفضت العودة إليهما وفضلت الحياة بين جديها علي الحياة في بيت أبيها وتلوم أباها لرفضه القيام بأي دور في زواجها‏..‏ أقول لها لماذا لم تبحثي عن هذا الدور قبل الآن‏..‏ ولماذا لم تقدر احتياج أبويها إليها كما تقدر الآن احتياجها إلي أن يقوم والدها بأي دور في زواجها؟‏..‏ انك أيتها الفتاة لن تدركي عمق حزنهما لموقفك منهما إلاحين تصبحين أما وتعرفين معني الأمومة‏..‏ ولقد كان الأفضل لجديك مهما يكن حبهما لك ألايجعلا انتماءك الأول إليهما وليس لأبويك‏,‏ أما مسألة زواجك فإن من واجب جدك أن يتكفل به دون أن يزعج الأب الرسمي بذلك مادام قد شجعك من البداية علي مفارقته والبعد عنه‏,‏ ولكي يكمل المشوار الذي بدأه معك وهو القادر علي ذلك‏,‏ أم تراه يريد أن يجني العسل بغير أن يدفع الثمن؟‏..‏ لقد استأثر بك علي غير رغبة أبويك حتي ولو كانا قد رضيا في البداية بحضانته لك لانشغالهما في العمل‏,‏ لأنه حين سمحت لهما الظروف باستردادك شجعك علي عدم العودة إليهما‏..‏ ولم يقدر احتياجهما إليك‏.‏
وفي النهاية فاني أناشد كل الآباء وكل الأمهات ألايتخلوا عن أبنائهم لغيرهم مهما تكن أسبابهم لذلك‏,‏ ومهما يكن هؤلاء الغير منهم‏,‏ لأنه لاشيء يعوض الأبناء عن صحبة الأبوين ورعايتهما وحبهما لأبنائهما والسلام‏.‏

‏««‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏»»‏
مهما تكن دوافع الأبوين للتخلي عن أحد أطفالهما للغير حتي ولو كان أقرب الناس إليهما‏,‏ ومهما تكن ظروف الحياة المادية الأفضل التي يقدمها هؤلاء الغير للطفل‏,‏ فإنه لايغفر لأبويه أبدا حين يدرك حقائق الحياة تخليهما عنه لغيرهما‏,‏ ولا يخفف شيء مادي قدمته له حياته الجديدة من مرارة احساسه بالنبذ العاطفي من جانب أبويه‏,‏ وبأنه لم يكن مرغوبا فيه لديهما‏.‏
لهذا لم أعجب ياسيدتي حين انفجر بركان الغضب الكامن في أعماقك علي أبويك حين اكتشفت الحقيقة التي خفيت عنك سنين طوالا‏,‏ كما لم أعجب كذلك لعدم اقتناعك بدفاعهما المتهافت عن نفسيهما ومحاولتهما لإيهامك بأنهما كانا مغلوبين علي أمرهما مع عمك وخالتك اللذين اغتصباك منهما بالاكراه المعنوي‏.‏
فلا شيء حقا يمكن أن يقنع عقل الابنة أو الابن بأنه شيء يمكن التنازل عنه للغير بمثل هذه المبررات الواهية‏,‏ ولا شيء كذلك في الحياة كلها يمكن أن يعوضه عن احساسه الثمين بأنه ثمرة القلب بالنسبة لأبيه وأمه وانهما علي استعداد للتفكير مجرد التفكير في نبذه أو التخلي عنه‏,‏ ولعلي لهذا السبب قد أدركت حين قرأت رسالة الأب الرسمي أن بعض أسباب رفض كاتبتها للعودة إلي أحضان أبويها حين سمحت لهما ظروفهما باستردادها من جديها‏,‏ لايرجع فقط إلي اعتيادها الحياة بين جديها منذ نعومة أظافرها‏..‏ ولا فقط إلي استنامتها إلي تدليلهما لها وحنانهما عليها مما قد لايتوافر لها بنفس القدر الزائد في بيت أبويها ووسط اخوتها الآخرين‏,‏ وانما يرجع أيضا إلي رغبة عقلها الباطن في معاقبة أبويها علي تخليهما عنها في طفولتها المبكرة لجديها‏,‏ وهي رغبة قد لاتدركها هي نفسها‏,‏ لكن ذلك لاينفي وجودها ولا تأثيرها الغامض علي موقفها من أبويها بعد أن شبت عن الطوق‏,‏ فنحن نعرف أن العقل الباطن تترسب فيه الخبرات المؤلمة التي يؤلمنا تذكرها‏,‏ ونرغب في نسيانها والتخلص منها‏,‏ وهذه الخبرات قد يخيل إلينا بالفعل أننا قد نسيناها إلي أن نفاجأ بها تطل علينا بأعناقها من جديد وتدفعنا في بعض الأحيان إلي مواقف وسلوكيات لاتتضح لنا نحن أنفسنا دوافعها ومبرراتها المنطقية‏,‏ فإذا استرجعنا بعض ذكرياتها البعيدة وحاولنا الربط بين أجزائها المتناثرة وتحليلها تحليلا منطقيا‏,‏ قد تتكشف لنا بعض الدوافع التي مالت بنا لاتخاذ هذه المواقف غير المبررة لنا أو للآخرين في حينها‏.‏ وفي هذا النطاق قد اعتبر كذلك نفور هذه الفتاة من الاقامة بين أبويها واحساسها بالغربة النفسية بينها وبين اخوتها كما ذكرت في رسالتها نوعا من رد الفعل اللا ارادي لنبذهما المبكر لها في الطفولة بنبذ عاطفي مماثل لهما وهي في سن الشباب‏,‏ وكل ذلك من تداعيات هذه الرغبة الكامنة في عقلها الباطن لمعاقبتهما معنويا علي تلك الجريمة التي لايغتفرها كما قلت طفل لأبويه‏.‏
علي أي حال ياسيدتي فإن الإنسان حين يروي قصة حياته للآخرين كما فعلت في رسالتك هذه فلابد له أن يجد فيها مايسعده أن يتذكره وما يؤلمه أيضا أن يتذكره‏,‏ وأسعد الناس هم من حظوا في حياتهم بطفولة سعيدة هيأتهم للتفاعل مع الحياة علي نحو سليم‏..‏ وأسعد الناس كذلك من يستطيعون أن يقولوا ماقالته الروائية الانجليزية الشهيرة أجاثا كريستي في مقدمة مذكراتها‏:‏ لقد تذكرت ما أردت أن أتذكره وغمست قلمي في مغطس سعيد ليخرج منه بحفنة من الذكريات المحلاة بطعم السكر‏!..‏ بمعني أنها قد تذكرت مايسعدها تذكره ونسيت كل مايؤلمها أن تسترجعه فعسي أن تجعلي من حياة أطفالك كلها ترنيمة جميلة لبهجة الحياة يسعدهم حين يسترجعون ملامحها وهم كبار أن يتذكروا كل تفاصيلها الجميلة فلا يجدون فيها إلاكل مايزيدهم رضا عن أبويهم وحياتهم بين أحضانهما حتي خرجوا إلي الحياة أشخاصا أسوياء فهذا هو أفضل مايقدمه أبوان لأطفالهما‏..‏ وهذا هو أفضل مايقدمه كل أبوين للحياة بوجه عام‏..‏



















إقرأ المزيد ليست هناك تعليقات:

الدور العلوى

الدور العلوي‏!‏


أنا سيدة في الثلاثينيات من العمر‏,‏ جامعية ومثقفة إلي حد ما‏,‏ أحب القراءة والكتابة‏..‏ وتصورت في فترة من الفترات أنني سوف أصبح كاتبة‏,‏ لكن الحياة غيرت اتجاهي بعد أن تزوجت وانشغلت بحياتي العائلية‏.‏
ولقد قرأت الرسالة التي نشرت في هذا الباب منذ بضعه أسابيع بعنوان الأب الرسمي للفتاة التي ضمها جدها وجدتها إليهما منذ طفولتها فنشأت مرتبطة بهما وبعيدة عن أبيها وأمها‏,‏ ورفضت العودة للحياة بينهما وشجعها الجدان علي ذلك‏,‏ إلي أن بلغت سن الزواج وتوقعت من أبيها الرسمي أن يسهم في نفقات زواجها بقدر معقول‏,‏ فإذا بالأب يرفض المساهمة في ذلك نهائيا لأنها ابتعدت عن أبويها وكان منطقه في ذلك أنه مادام جداها قد شجعاها علي عدم العودة إليهما فليتكفلا دونه بنفقات زواجها ولقد أثارت هذه الرسالة أشجاني وأريد أن أروي لها قصتي لعلها تجد فيها بعض ما يرشدها إلي سواء السبيل‏..‏ فلقد جئت إلي الحياة لأبوين رزقا قبلي بأربع فتيات‏,‏ وتركزت كل آمالهما في أن يجيء المولود الخامس ولدا‏,‏ فاذا بي أولد بنتا فاستقبلاني بالحزن والاكتئاب‏..‏ ولأننا كنا في ذلك الوقت نعيش في بيت من دورين باحدي مدن القناة‏,‏ ويقيم في الدور العلوي من البيت عمي وخالتي وهما زوجان رزقا ببنت غير مكتملة النمو العقلي‏,‏ فلقد عرضا علي أبي وأمي أن يضماني إليهما وأنا طفلة وليدة ويتكفلا بتربيتي وتنشئتي دونهما‏,‏ لكي يحلا لأبي وأمي مشكلة طفلتهما الخامسة من ناحية‏,‏ ولأنهما‏,‏ كما أدركت فيما بعد ـ أرادا أن يربياني ويتكفلا بي فأصبح أختا لابنتهما المسكينة وأرعاها حين أكبر وأتحمل مسئوليتها من بعدهما‏.‏
وهكذا وجدت نفسي بين أب وأم وأخت مسكينة ينمو جسمها ولا ينمو معه عقلها‏..‏ ويقيم تحتنا عمي وخالتي وبنات عمي وخالتي الأربع‏,‏ ومازلت أذكر من ذكريات طفولتي حين كانت تسألني بعض السيدات اللاتي يزرن الأسرة بالطابق العلوي‏..‏ كيف حال ماما؟‏..‏ فأتعجب لماذا تسألني عن أمي وهي تجلس إلي جوارها‏!‏ وبالرغم من ذلك فلقد كان هناك شيء غامض لا أدري كنهه يجذبني إلي الطابق الأرضي الذي يقيم به عمي وخالتي وبناتهما وأشعر بحنين عجيب إليهم جميعا‏,‏ ومضت بي الأعوام والتحقت بالمدرسة ولم ألتفت كثيرا لاختلاف اسم الأب في أوراقي الرسمية عن اسمه في الحياة‏,‏ فلقد قيل لي ان اسمه في الورق هو الاسم الرسمي‏,‏ وان اسمه في الحياة هو اسم الشهرة‏,‏ فأحببت اسم الشهرة أكثر مما أحببت الاسم الرسمي‏,‏ إلي أن بلغت سن الصبا وبدأت أشعر بتغير غير مفهوم في معاملة أمي لي‏..‏ وتفاقم هذا التغير حتي بدأت أشعر بعدم حبها لي‏,‏ ولأنني لم أكن أدرك دوافع هذا التغير من جانبها تجاهي فلقد كرهتها لمعاملتها السيئة لي‏,‏ وأحببت أبي كل الحب الذي يمكن أن يتسع له قلب فتاة مثلي‏,‏ لأنه لم يتغير تجاهي بعد أن كبرت وظل يغمرني بحبه وعطفه إلي النهاية‏,‏ وخلال ذلك كانت الدنيا قد فرقت بيننا وبين أسرة عمي وخالتي وبناتهما الأربع وانتقلنا نحن للاقامة في القاهرة‏,‏ وتخرجت في كليتي وارتبطت بمن زختارني واختارته‏,‏ وبدأنا الاستعداد للزواج فإذا بأبي يصر علي أن يستأذن عمي وخالتي في زواجي وأن يحصل أولا علي موافقتهما قبل أن يعلن قبوله‏,‏ وتساءلت عن ضرورة ذلك‏,‏ فعرفت الحقيقة التي خفيت عني كل هذه السنين وهي أن هذا العم وهذه الخالة هما أبواي الحقيقيان‏,‏ وان هؤلاء الفتيات الأربع هن أخواتي‏,‏ أما هذه الفتاة المسكينة التي أعيش معها فهي ابنة عمي وابنة خالتي‏,‏ وأدركت في هذه اللحظة فقط سر تغير مشاعر من كنت أظنها أمي تجاهي بعد أن كبرت وصرت فتاة في بداية سن الشباب‏..‏ فلقد كانت الحسرة تنهش قلبها الحزين وهي تري ابنتها الحقيقية تنمو جسما وعقلها لايتجاوز عقل طفلة عمرها خمس سنوات‏,‏ في حين استوت الفتاة الأخري التي تكفلت بها شابة تجذب الأبصار‏,‏ ويشيد بها الجيران‏,‏ وانفجر بركان الغضب في قلبي تجاه أبي وأمي الحقيقيين‏..‏ كيف تخليا عني وتركاني لغيرهما حتي ولو كان هذا الغير هما عمي وخالتي؟‏,‏ ولماذا كرهاني وأنا طفلة وليدة ولا ذنب لي في مجيئي للحياة بعد أربع فتيات؟‏..‏ وراح أبي وأمي الحقيقيان يحاولان بكل جهدهما أن يبررا لي ماحدث ويؤكدان لي أنهما مظلومان مع عمي وخالتي لأنهما كانا في حاجة لابنة طبيعية بعد أن رزئا بابنتهما المسكينة‏,‏ وانهما اغتصباني منهما بالالحاح وبالاحراج والضغط النفسي عليهما‏,‏ ولم أصدق هذا التبرير ولم أقتنع به واستمر الشرخ في داخلي لفترة طويلة حتي كرهت نفسي‏,‏ وظل هذا الشرخ يفسد علي حياتي لفترة طويلة إلي أن تزوجت وتكفل بنفقات زواجي بل وبشقتي كذلك من تكفل من قبل بتربيتي وتنشئتي وهو أبي بالتربية وعمي بالصلة الرسمية‏,‏ وانشغلت بحياتي العائلية وأسرتي الجديدة عن ذكريات الماضي وأحزانه‏..‏ ولهذا فإني أقول لهذه الفتاة التي ابتعدت عن أبويها ورفضت العودة إليهما وفضلت الحياة بين جديها علي الحياة في بيت أبيها وتلوم أباها لرفضه القيام بأي دور في زواجها‏..‏ أقول لها لماذا لم تبحثي عن هذا الدور قبل الآن‏..‏ ولماذا لم تقدر احتياج أبويها إليها كما تقدر الآن احتياجها إلي أن يقوم والدها بأي دور في زواجها؟‏..‏ انك أيتها الفتاة لن تدركي عمق حزنهما لموقفك منهما إلاحين تصبحين أما وتعرفين معني الأمومة‏..‏ ولقد كان الأفضل لجديك مهما يكن حبهما لك ألايجعلا انتماءك الأول إليهما وليس لأبويك‏,‏ أما مسألة زواجك فإن من واجب جدك أن يتكفل به دون أن يزعج الأب الرسمي بذلك مادام قد شجعك من البداية علي مفارقته والبعد عنه‏,‏ ولكي يكمل المشوار الذي بدأه معك وهو القادر علي ذلك‏,‏ أم تراه يريد أن يجني العسل بغير أن يدفع الثمن؟‏..‏ لقد استأثر بك علي غير رغبة أبويك حتي ولو كانا قد رضيا في البداية بحضانته لك لانشغالهما في العمل‏,‏ لأنه حين سمحت لهما الظروف باستردادك شجعك علي عدم العودة إليهما‏..‏ ولم يقدر احتياجهما إليك‏.‏
وفي النهاية فاني أناشد كل الآباء وكل الأمهات ألايتخلوا عن أبنائهم لغيرهم مهما تكن أسبابهم لذلك‏,‏ ومهما يكن هؤلاء الغير منهم‏,‏ لأنه لاشيء يعوض الأبناء عن صحبة الأبوين ورعايتهما وحبهما لأبنائهما والسلام‏.‏

‏««‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏»»‏
مهما تكن دوافع الأبوين للتخلي عن أحد أطفالهما للغير حتي ولو كان أقرب الناس إليهما‏,‏ ومهما تكن ظروف الحياة المادية الأفضل التي يقدمها هؤلاء الغير للطفل‏,‏ فإنه لايغفر لأبويه أبدا حين يدرك حقائق الحياة تخليهما عنه لغيرهما‏,‏ ولا يخفف شيء مادي قدمته له حياته الجديدة من مرارة احساسه بالنبذ العاطفي من جانب أبويه‏,‏ وبأنه لم يكن مرغوبا فيه لديهما‏.‏
لهذا لم أعجب ياسيدتي حين انفجر بركان الغضب الكامن في أعماقك علي أبويك حين اكتشفت الحقيقة التي خفيت عنك سنين طوالا‏,‏ كما لم أعجب كذلك لعدم اقتناعك بدفاعهما المتهافت عن نفسيهما ومحاولتهما لإيهامك بأنهما كانا مغلوبين علي أمرهما مع عمك وخالتك اللذين اغتصباك منهما بالاكراه المعنوي‏.‏
فلا شيء حقا يمكن أن يقنع عقل الابنة أو الابن بأنه شيء يمكن التنازل عنه للغير بمثل هذه المبررات الواهية‏,‏ ولا شيء كذلك في الحياة كلها يمكن أن يعوضه عن احساسه الثمين بأنه ثمرة القلب بالنسبة لأبيه وأمه وانهما علي استعداد للتفكير مجرد التفكير في نبذه أو التخلي عنه‏,‏ ولعلي لهذا السبب قد أدركت حين قرأت رسالة الأب الرسمي أن بعض أسباب رفض كاتبتها للعودة إلي أحضان أبويها حين سمحت لهما ظروفهما باستردادها من جديها‏,‏ لايرجع فقط إلي اعتيادها الحياة بين جديها منذ نعومة أظافرها‏..‏ ولا فقط إلي استنامتها إلي تدليلهما لها وحنانهما عليها مما قد لايتوافر لها بنفس القدر الزائد في بيت أبويها ووسط اخوتها الآخرين‏,‏ وانما يرجع أيضا إلي رغبة عقلها الباطن في معاقبة أبويها علي تخليهما عنها في طفولتها المبكرة لجديها‏,‏ وهي رغبة قد لاتدركها هي نفسها‏,‏ لكن ذلك لاينفي وجودها ولا تأثيرها الغامض علي موقفها من أبويها بعد أن شبت عن الطوق‏,‏ فنحن نعرف أن العقل الباطن تترسب فيه الخبرات المؤلمة التي يؤلمنا تذكرها‏,‏ ونرغب في نسيانها والتخلص منها‏,‏ وهذه الخبرات قد يخيل إلينا بالفعل أننا قد نسيناها إلي أن نفاجأ بها تطل علينا بأعناقها من جديد وتدفعنا في بعض الأحيان إلي مواقف وسلوكيات لاتتضح لنا نحن أنفسنا دوافعها ومبرراتها المنطقية‏,‏ فإذا استرجعنا بعض ذكرياتها البعيدة وحاولنا الربط بين أجزائها المتناثرة وتحليلها تحليلا منطقيا‏,‏ قد تتكشف لنا بعض الدوافع التي مالت بنا لاتخاذ هذه المواقف غير المبررة لنا أو للآخرين في حينها‏.‏ وفي هذا النطاق قد اعتبر كذلك نفور هذه الفتاة من الاقامة بين أبويها واحساسها بالغربة النفسية بينها وبين اخوتها كما ذكرت في رسالتها نوعا من رد الفعل اللا ارادي لنبذهما المبكر لها في الطفولة بنبذ عاطفي مماثل لهما وهي في سن الشباب‏,‏ وكل ذلك من تداعيات هذه الرغبة الكامنة في عقلها الباطن لمعاقبتهما معنويا علي تلك الجريمة التي لايغتفرها كما قلت طفل لأبويه‏.‏
علي أي حال ياسيدتي فإن الإنسان حين يروي قصة حياته للآخرين كما فعلت في رسالتك هذه فلابد له أن يجد فيها مايسعده أن يتذكره وما يؤلمه أيضا أن يتذكره‏,‏ وأسعد الناس هم من حظوا في حياتهم بطفولة سعيدة هيأتهم للتفاعل مع الحياة علي نحو سليم‏..‏ وأسعد الناس كذلك من يستطيعون أن يقولوا ماقالته الروائية الانجليزية الشهيرة أجاثا كريستي في مقدمة مذكراتها‏:‏ لقد تذكرت ما أردت أن أتذكره وغمست قلمي في مغطس سعيد ليخرج منه بحفنة من الذكريات المحلاة بطعم السكر‏!..‏ بمعني أنها قد تذكرت مايسعدها تذكره ونسيت كل مايؤلمها أن تسترجعه فعسي أن تجعلي من حياة أطفالك كلها ترنيمة جميلة لبهجة الحياة يسعدهم حين يسترجعون ملامحها وهم كبار أن يتذكروا كل تفاصيلها الجميلة فلا يجدون فيها إلاكل مايزيدهم رضا عن أبويهم وحياتهم بين أحضانهما حتي خرجوا إلي الحياة أشخاصا أسوياء فهذا هو أفضل مايقدمه أبوان لأطفالهما‏..‏ وهذا هو أفضل مايقدمه كل أبوين للحياة بوجه عام‏..‏



















إقرأ المزيد ليست هناك تعليقات:

الدور العلوى

الدور العلوي‏!‏


أنا سيدة في الثلاثينيات من العمر‏,‏ جامعية ومثقفة إلي حد ما‏,‏ أحب القراءة والكتابة‏..‏ وتصورت في فترة من الفترات أنني سوف أصبح كاتبة‏,‏ لكن الحياة غيرت اتجاهي بعد أن تزوجت وانشغلت بحياتي العائلية‏.‏
ولقد قرأت الرسالة التي نشرت في هذا الباب منذ بضعه أسابيع بعنوان الأب الرسمي للفتاة التي ضمها جدها وجدتها إليهما منذ طفولتها فنشأت مرتبطة بهما وبعيدة عن أبيها وأمها‏,‏ ورفضت العودة للحياة بينهما وشجعها الجدان علي ذلك‏,‏ إلي أن بلغت سن الزواج وتوقعت من أبيها الرسمي أن يسهم في نفقات زواجها بقدر معقول‏,‏ فإذا بالأب يرفض المساهمة في ذلك نهائيا لأنها ابتعدت عن أبويها وكان منطقه في ذلك أنه مادام جداها قد شجعاها علي عدم العودة إليهما فليتكفلا دونه بنفقات زواجها ولقد أثارت هذه الرسالة أشجاني وأريد أن أروي لها قصتي لعلها تجد فيها بعض ما يرشدها إلي سواء السبيل‏..‏ فلقد جئت إلي الحياة لأبوين رزقا قبلي بأربع فتيات‏,‏ وتركزت كل آمالهما في أن يجيء المولود الخامس ولدا‏,‏ فاذا بي أولد بنتا فاستقبلاني بالحزن والاكتئاب‏..‏ ولأننا كنا في ذلك الوقت نعيش في بيت من دورين باحدي مدن القناة‏,‏ ويقيم في الدور العلوي من البيت عمي وخالتي وهما زوجان رزقا ببنت غير مكتملة النمو العقلي‏,‏ فلقد عرضا علي أبي وأمي أن يضماني إليهما وأنا طفلة وليدة ويتكفلا بتربيتي وتنشئتي دونهما‏,‏ لكي يحلا لأبي وأمي مشكلة طفلتهما الخامسة من ناحية‏,‏ ولأنهما‏,‏ كما أدركت فيما بعد ـ أرادا أن يربياني ويتكفلا بي فأصبح أختا لابنتهما المسكينة وأرعاها حين أكبر وأتحمل مسئوليتها من بعدهما‏.‏
وهكذا وجدت نفسي بين أب وأم وأخت مسكينة ينمو جسمها ولا ينمو معه عقلها‏..‏ ويقيم تحتنا عمي وخالتي وبنات عمي وخالتي الأربع‏,‏ ومازلت أذكر من ذكريات طفولتي حين كانت تسألني بعض السيدات اللاتي يزرن الأسرة بالطابق العلوي‏..‏ كيف حال ماما؟‏..‏ فأتعجب لماذا تسألني عن أمي وهي تجلس إلي جوارها‏!‏ وبالرغم من ذلك فلقد كان هناك شيء غامض لا أدري كنهه يجذبني إلي الطابق الأرضي الذي يقيم به عمي وخالتي وبناتهما وأشعر بحنين عجيب إليهم جميعا‏,‏ ومضت بي الأعوام والتحقت بالمدرسة ولم ألتفت كثيرا لاختلاف اسم الأب في أوراقي الرسمية عن اسمه في الحياة‏,‏ فلقد قيل لي ان اسمه في الورق هو الاسم الرسمي‏,‏ وان اسمه في الحياة هو اسم الشهرة‏,‏ فأحببت اسم الشهرة أكثر مما أحببت الاسم الرسمي‏,‏ إلي أن بلغت سن الصبا وبدأت أشعر بتغير غير مفهوم في معاملة أمي لي‏..‏ وتفاقم هذا التغير حتي بدأت أشعر بعدم حبها لي‏,‏ ولأنني لم أكن أدرك دوافع هذا التغير من جانبها تجاهي فلقد كرهتها لمعاملتها السيئة لي‏,‏ وأحببت أبي كل الحب الذي يمكن أن يتسع له قلب فتاة مثلي‏,‏ لأنه لم يتغير تجاهي بعد أن كبرت وظل يغمرني بحبه وعطفه إلي النهاية‏,‏ وخلال ذلك كانت الدنيا قد فرقت بيننا وبين أسرة عمي وخالتي وبناتهما الأربع وانتقلنا نحن للاقامة في القاهرة‏,‏ وتخرجت في كليتي وارتبطت بمن زختارني واختارته‏,‏ وبدأنا الاستعداد للزواج فإذا بأبي يصر علي أن يستأذن عمي وخالتي في زواجي وأن يحصل أولا علي موافقتهما قبل أن يعلن قبوله‏,‏ وتساءلت عن ضرورة ذلك‏,‏ فعرفت الحقيقة التي خفيت عني كل هذه السنين وهي أن هذا العم وهذه الخالة هما أبواي الحقيقيان‏,‏ وان هؤلاء الفتيات الأربع هن أخواتي‏,‏ أما هذه الفتاة المسكينة التي أعيش معها فهي ابنة عمي وابنة خالتي‏,‏ وأدركت في هذه اللحظة فقط سر تغير مشاعر من كنت أظنها أمي تجاهي بعد أن كبرت وصرت فتاة في بداية سن الشباب‏..‏ فلقد كانت الحسرة تنهش قلبها الحزين وهي تري ابنتها الحقيقية تنمو جسما وعقلها لايتجاوز عقل طفلة عمرها خمس سنوات‏,‏ في حين استوت الفتاة الأخري التي تكفلت بها شابة تجذب الأبصار‏,‏ ويشيد بها الجيران‏,‏ وانفجر بركان الغضب في قلبي تجاه أبي وأمي الحقيقيين‏..‏ كيف تخليا عني وتركاني لغيرهما حتي ولو كان هذا الغير هما عمي وخالتي؟‏,‏ ولماذا كرهاني وأنا طفلة وليدة ولا ذنب لي في مجيئي للحياة بعد أربع فتيات؟‏..‏ وراح أبي وأمي الحقيقيان يحاولان بكل جهدهما أن يبررا لي ماحدث ويؤكدان لي أنهما مظلومان مع عمي وخالتي لأنهما كانا في حاجة لابنة طبيعية بعد أن رزئا بابنتهما المسكينة‏,‏ وانهما اغتصباني منهما بالالحاح وبالاحراج والضغط النفسي عليهما‏,‏ ولم أصدق هذا التبرير ولم أقتنع به واستمر الشرخ في داخلي لفترة طويلة حتي كرهت نفسي‏,‏ وظل هذا الشرخ يفسد علي حياتي لفترة طويلة إلي أن تزوجت وتكفل بنفقات زواجي بل وبشقتي كذلك من تكفل من قبل بتربيتي وتنشئتي وهو أبي بالتربية وعمي بالصلة الرسمية‏,‏ وانشغلت بحياتي العائلية وأسرتي الجديدة عن ذكريات الماضي وأحزانه‏..‏ ولهذا فإني أقول لهذه الفتاة التي ابتعدت عن أبويها ورفضت العودة إليهما وفضلت الحياة بين جديها علي الحياة في بيت أبيها وتلوم أباها لرفضه القيام بأي دور في زواجها‏..‏ أقول لها لماذا لم تبحثي عن هذا الدور قبل الآن‏..‏ ولماذا لم تقدر احتياج أبويها إليها كما تقدر الآن احتياجها إلي أن يقوم والدها بأي دور في زواجها؟‏..‏ انك أيتها الفتاة لن تدركي عمق حزنهما لموقفك منهما إلاحين تصبحين أما وتعرفين معني الأمومة‏..‏ ولقد كان الأفضل لجديك مهما يكن حبهما لك ألايجعلا انتماءك الأول إليهما وليس لأبويك‏,‏ أما مسألة زواجك فإن من واجب جدك أن يتكفل به دون أن يزعج الأب الرسمي بذلك مادام قد شجعك من البداية علي مفارقته والبعد عنه‏,‏ ولكي يكمل المشوار الذي بدأه معك وهو القادر علي ذلك‏,‏ أم تراه يريد أن يجني العسل بغير أن يدفع الثمن؟‏..‏ لقد استأثر بك علي غير رغبة أبويك حتي ولو كانا قد رضيا في البداية بحضانته لك لانشغالهما في العمل‏,‏ لأنه حين سمحت لهما الظروف باستردادك شجعك علي عدم العودة إليهما‏..‏ ولم يقدر احتياجهما إليك‏.‏
وفي النهاية فاني أناشد كل الآباء وكل الأمهات ألايتخلوا عن أبنائهم لغيرهم مهما تكن أسبابهم لذلك‏,‏ ومهما يكن هؤلاء الغير منهم‏,‏ لأنه لاشيء يعوض الأبناء عن صحبة الأبوين ورعايتهما وحبهما لأبنائهما والسلام‏.‏

‏««‏ولكاتبة هذه الرسالة أقول‏»»‏
مهما تكن دوافع الأبوين للتخلي عن أحد أطفالهما للغير حتي ولو كان أقرب الناس إليهما‏,‏ ومهما تكن ظروف الحياة المادية الأفضل التي يقدمها هؤلاء الغير للطفل‏,‏ فإنه لايغفر لأبويه أبدا حين يدرك حقائق الحياة تخليهما عنه لغيرهما‏,‏ ولا يخفف شيء مادي قدمته له حياته الجديدة من مرارة احساسه بالنبذ العاطفي من جانب أبويه‏,‏ وبأنه لم يكن مرغوبا فيه لديهما‏.‏
لهذا لم أعجب ياسيدتي حين انفجر بركان الغضب الكامن في أعماقك علي أبويك حين اكتشفت الحقيقة التي خفيت عنك سنين طوالا‏,‏ كما لم أعجب كذلك لعدم اقتناعك بدفاعهما المتهافت عن نفسيهما ومحاولتهما لإيهامك بأنهما كانا مغلوبين علي أمرهما مع عمك وخالتك اللذين اغتصباك منهما بالاكراه المعنوي‏.‏
فلا شيء حقا يمكن أن يقنع عقل الابنة أو الابن بأنه شيء يمكن التنازل عنه للغير بمثل هذه المبررات الواهية‏,‏ ولا شيء كذلك في الحياة كلها يمكن أن يعوضه عن احساسه الثمين بأنه ثمرة القلب بالنسبة لأبيه وأمه وانهما علي استعداد للتفكير مجرد التفكير في نبذه أو التخلي عنه‏,‏ ولعلي لهذا السبب قد أدركت حين قرأت رسالة الأب الرسمي أن بعض أسباب رفض كاتبتها للعودة إلي أحضان أبويها حين سمحت لهما ظروفهما باستردادها من جديها‏,‏ لايرجع فقط إلي اعتيادها الحياة بين جديها منذ نعومة أظافرها‏..‏ ولا فقط إلي استنامتها إلي تدليلهما لها وحنانهما عليها مما قد لايتوافر لها بنفس القدر الزائد في بيت أبويها ووسط اخوتها الآخرين‏,‏ وانما يرجع أيضا إلي رغبة عقلها الباطن في معاقبة أبويها علي تخليهما عنها في طفولتها المبكرة لجديها‏,‏ وهي رغبة قد لاتدركها هي نفسها‏,‏ لكن ذلك لاينفي وجودها ولا تأثيرها الغامض علي موقفها من أبويها بعد أن شبت عن الطوق‏,‏ فنحن نعرف أن العقل الباطن تترسب فيه الخبرات المؤلمة التي يؤلمنا تذكرها‏,‏ ونرغب في نسيانها والتخلص منها‏,‏ وهذه الخبرات قد يخيل إلينا بالفعل أننا قد نسيناها إلي أن نفاجأ بها تطل علينا بأعناقها من جديد وتدفعنا في بعض الأحيان إلي مواقف وسلوكيات لاتتضح لنا نحن أنفسنا دوافعها ومبرراتها المنطقية‏,‏ فإذا استرجعنا بعض ذكرياتها البعيدة وحاولنا الربط بين أجزائها المتناثرة وتحليلها تحليلا منطقيا‏,‏ قد تتكشف لنا بعض الدوافع التي مالت بنا لاتخاذ هذه المواقف غير المبررة لنا أو للآخرين في حينها‏.‏ وفي هذا النطاق قد اعتبر كذلك نفور هذه الفتاة من الاقامة بين أبويها واحساسها بالغربة النفسية بينها وبين اخوتها كما ذكرت في رسالتها نوعا من رد الفعل اللا ارادي لنبذهما المبكر لها في الطفولة بنبذ عاطفي مماثل لهما وهي في سن الشباب‏,‏ وكل ذلك من تداعيات هذه الرغبة الكامنة في عقلها الباطن لمعاقبتهما معنويا علي تلك الجريمة التي لايغتفرها كما قلت طفل لأبويه‏.‏
علي أي حال ياسيدتي فإن الإنسان حين يروي قصة حياته للآخرين كما فعلت في رسالتك هذه فلابد له أن يجد فيها مايسعده أن يتذكره وما يؤلمه أيضا أن يتذكره‏,‏ وأسعد الناس هم من حظوا في حياتهم بطفولة سعيدة هيأتهم للتفاعل مع الحياة علي نحو سليم‏..‏ وأسعد الناس كذلك من يستطيعون أن يقولوا ماقالته الروائية الانجليزية الشهيرة أجاثا كريستي في مقدمة مذكراتها‏:‏ لقد تذكرت ما أردت أن أتذكره وغمست قلمي في مغطس سعيد ليخرج منه بحفنة من الذكريات المحلاة بطعم السكر‏!..‏ بمعني أنها قد تذكرت مايسعدها تذكره ونسيت كل مايؤلمها أن تسترجعه فعسي أن تجعلي من حياة أطفالك كلها ترنيمة جميلة لبهجة الحياة يسعدهم حين يسترجعون ملامحها وهم كبار أن يتذكروا كل تفاصيلها الجميلة فلا يجدون فيها إلاكل مايزيدهم رضا عن أبويهم وحياتهم بين أحضانهما حتي خرجوا إلي الحياة أشخاصا أسوياء فهذا هو أفضل مايقدمه أبوان لأطفالهما‏..‏ وهذا هو أفضل مايقدمه كل أبوين للحياة بوجه عام‏..‏



















إقرأ المزيد ليست هناك تعليقات:

المشاركات الشائعة